هذا المقال هو فصل من فصول كتاب المستبصر المغربي الصحافي الاستاذ
ادريس الحسيني ، الذي أسماه : " لقد شيعني الحسين ( عليه السلام ) ،
الإنتقال الصعب في المذهب و المعتقد " .
لماذا هؤلاء شيعة و نحن سنة ؟
تحول
هذا السؤال في ذهني إلى شبح ، يطاردني في كل مكان . يسلبني في كل اللحظات
مصداقيته . نعم ! فلا حق لي أن أزود فكري بالجديد ، حتى أحسم مسلماتي
الموروثة . و أسسي الاعتقادية الجاهزة . و ما قيمة أفكار تتراكم على ذهني
من دون أن يكون لها أساس اعتقادي متين ؟ .
تجاهلت الأمر ـ في البداية ـ و تناسيته حتى أخفف عن نفسي مضاضة البحث .
بيد أن ثقل البحث كان أخف علي من ثقل ( السؤال ) و أقل ضغطا من ضمة الحيرة ، و الشك المريب .
وقع
بين يدي كتابين يتحدثان عن فاجعة كربلاء و سيرة أمير المؤمنين علي بن أبي
طالب ( عليه السلام ) الأمر هنا أشد مرارة من ذي قبل . إنني و لأول مرة أجد
كتابا يحمل لهجة من نوع خاص . مناقضة تماما لتلك الكتب التي عكفت على
قراءتها . لم أكن أعرف أن صاحب الكتاب رجل شيعي . لأنني ما كنت أتصور أن
الشيعة مسلمون ! فكانت تختلط عندي المسألة الشيعية بالمسألة البوذية أو
السيخية .
و الوضع ( السني ) لا يجد حرجا في أن يملي علينا ذلك . و لا
يستحي من الله و لا من التاريخ ليغذي نزعة التجهيل و التمويه . إنه كان
يكرس هذه النظرة لدى الأفراد . و لا يصحح مغالطاتهم . و فجأة وجدت نفسي
مخدوعا . لماذا هؤلاء لا يكشفون الحقائق للناس ، كما هي في الواقع ؟ لماذا
يتعمدون إبقاءنا على وعينا السخيف ، تجاه أكبر و أخطر مسألة وجدت في تاريخ
المسلمين ؟ ثم لماذا لا يتأثرون بفاجعة الطف العظمى ، تلك التي ماجت في دمي
الحار بالأنصاف . و التوق إلى العدالة . فتدفقت بالحسرة و الرفض و
المطالبة بالحق الضائع في منعطفات التاريخ الإسلامي .
و طبعي الذي لا
أنكره ، و لن أنكره ، إنني لا أحب الخادعين و الجاهلين ، ثم و إني لناقم
على هؤلاء ، و أرافعهم إلى الله و التاريخ ! .
كنت في تلك الفترة صاحب
بساطة عقائدية كباقي الناس . و ببساطتي هذه كنت أبدو أوعاهم عقيدة . و كنت
ذا ثقافة أحادية ، هي ثقافة أهل السنة و الجماعة . فالجو الذي أحاط بي ، هو
جو الصحوة البتراء النائمة ، التي انحرفت بوعيي إلى مواقع تافهة . و فجأة
وجدتني ملتزما بخط لا أعرف له أساسا تاريخيا .
و صرت واحدا من ( الإخوان
) المناضلين الذين ضاقوا بظلم الواقع ، و أرادوا أن يعيدوا سيناريو العذاب
الذي جرت وقائعها في السجن الحربي ( وليمان طرة ) في مصر . كانت خيالاتي
قليلة الخصوبة لا تتجاوز ( المذابح ) و ( لماذا أعدموني ) كنت أهوى التمثيل
و المسرح ، لذلك انطلقت كالسهم إلى مغامرات سخيفة ! .
في تلك اللحظة ،
غمرتني أدبيات الحركة الإسلامية . و أخذت مني مأخذها و تملكني فكر ( المحنة
) لدى سيد قطب ، بكلماته المشعة أدبا ، و التي حملت في أحشائها تلك الظلال
الوارفة بيانا و بديعا . فأبيت إلا أن أغزو الظلم قبل أن يغزوني . و لعلي
تعثرت كثيرا بسبب الأدبيات التي عبثت بوعيي الصغير يومئذ .
و لا أنكر . أنني كنت من أنصار ( الهجرة و التكفير ) و إنني ما أزال أحفظ عن ظهر قلب تراتيل الفريضة الغائبة ! .
و في لحظة من عمري ذهبية . طرحت على نفسي سؤالا :
ترى ، ما هو هذا الظلم الذي ما زلت كل حياتي أشكتي منه و أفرض خلاله كل الأوهام على نفسي ؟ .
لم
أجد جوابا شافيا في ذهني . سوى ما ركز في نفسي من أدبيات حركية استلهمتها
من كتابات معينة . و كلمات جميلة لم أجد لها في ثقافتي الجمهورية [1] بديلا
! .
سارت هذه الكلمات الفضفاضة الفارغة من مضامينها العلمية و الواقعية ، تدق الطبول في ذهني . حتى صرت كالمهووس ، لا قرار لي .
فاجعة الطف ) ! .
هذه وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكرية و
النقية في ذهني . إن هذا الظلم الذي أشكو منه اليوم ليس جديدا على الأمة .
فلقد سبقه ظلم أكبر .
و على أساس هذا الظلم القديم قالت لي أفكاري إن
هؤلاء الظالمين اليوم يسلكون طريقا أسسه رجالات كانوا يشكلون حجر عثرة أمام
مسيرة الأئمة من آل البيت ( عليهم السلام ) حتى إذا ورد جيل المحنة حاليا ،
فأراد أن ينظم مشروعا لمعارضة الظلم السياسي في الأمة على قاعدة الظلم
نفسه الذي كان سببا في التمكين لهؤلاء الظلمة سؤال غريب ، لكنه واقعي ! [2]
. ترى تناقضا رهيبا بين تنزيه ظلمة الماضي و تثوير المجتمع على ظلمة
الحاضر . فما الفرق بين الماضي و الحاضر ؟ .
ثم قالوا : ( إن هذا ليس دورنا الآني . فيكفي أن نحارب الاستعمار و الاستكبار الخارجي و ما فات مات ) .
قلت: هذا جميل . و لكن اعترفوا بي إذا و صححوا رؤيتكم تجاهي ، ثم نتوحد في الثورة و الكفاح ؟ .
إنني
أكتب هذا الكلام بعد أن حاولت جهدي أن أهمش التاريخ للتوحد في المسؤولية .
لقد أفسدوا علي غير مرة أمري . حتى ذلك الأمر الذي لم نكن نريد به سوى
مقاومة ظلم الواقع .
كنت كلما طرحت سؤالا على نفسي ، رأيت شيطانا
يعتريني و يقول لي : ( دع عنك هذا السؤال . فهل أنت أعظم من ملايين
المسلمين الذين وجدوا قبلك . و هل أنت أعلم من هؤلاء الموجودين حتى تحسم في
هذه المسألة ) .
كنت أعلم أن هؤلاء الملايين لم يطرحوا هذا السؤال على
أنفسهم بهذه القوة و الإلحاح . و كنت أعتقد رغم ذلك أن المسألة لا تحتاج
إلى شهادة أزهرية حتى نحسم فيها . إنها مسألة ظلم بواح . عرفه القاصي و
الداني من العالم . و هل معرفة الظلم تحتاج إلى عقلية أفلاطونية رفيعة .
ثم
لماذا تقولون ( ملايين المسلمين ) أنا أريد أن تقولوا ملايين ( من )
المسلمين ، هم أصحاب مذهب السنة و الجماعة . لأن الخطاب الأول إذا قيل بهذا
اللفظ فهو ينطوي إذا على مزاجية خاصة . هي مزاجية الإلغاء لملايين
المسلمين غير أهل السنة و الجماعة ، و هم من الشيعة الإمامية و الزيدية . .
في هذا العالم .
قالوا : ( لا ) مع ذلك فأنت صغير ، و لا يجوز على أي حال شق الصف ، و مخالفة الجماعة ، لأن الرسول صلى الله عليه و آله يقول :
( يد الله مع الجماعة ) ! و ( إن أمتي لا تجتمع على ضلالة ) .
و
على كل حال ، فلم تكن هذه الاعتراضات الوسواسية بالتي تردني عن اندفاعي
إلى كشف الحجاب عن الحقيقة المخبوءة . لكن شيئا حز في نفسي و هو هذه الكثرة
الغالبة . لقد كبرت في عيني . و صعب علي مخالفتها . لو لا أن هداني الله .
بيد أن شيئا واحدا جعلني أنتصر عليها و لا أبالي . و هي عندما وجدتها
جاهلة . و استحضرت ( جديتي ) التي ورثتها من فكر ( الهجرة و التكفير ) فهذا
الأخير على علاته ، علمني كيف أخالف المجتمع الجاهلي . فهذا احتياط جليل
مكنني من الصمود أمام الأمواج البشرية المتدفقة . و التي ليس لها منطق في
عالم الحقائق سوى كثرتها .
كنت أطرح دائما على أصدقائي . قضية الحسين
المظلوم ، و آل البيت ( عليهم السلام ) لم أكن أطرح شيئا آخر . فأنا ضمآن
إلى تفسير شاف لهذه المآسي . لأنني و بالفطرة التي أكسبنيها كلام الله جل و
علا لم أكن أتصور ، و أنا مسلم القرن العشرين ، كيف يستطيع هؤلاء السلف (
الصالح ) أن يقتلوا آل البيت ( عليهم السلام ) تقتيلا ! لكن أصحابي ، ضاقوا
مني و عز عليهم أن يروا فكري يسير حيث لا تشتهي سفينة الجماعة . و عز
عليهم أن يتهموني في نواياي .
و هم قد أدركوني منذ سنين البراءة و في
تدرجي في سبيل الدعوة إلى الله . قالوا بعد ذلك كلاما جاهليا . لشد ما هي
قاسية قلوبهم تجاه آل البيت ( عليهم السلام ) [3] .
و من هنا بدأت القصة ! .
وجدت نفسي أمام موجة عارمة من التساؤلات التي
جعلتني حتما أقف على قاعدة اعتقادية صلبة . إنني لست من أولئك الذين يحبون
أن يخدعوا أو ينوموا .
لا ، أبدا ، لا أرتاح حتى أجدد منطلقاتي و أعالج
مسلماتي ! فلتقف حركتي في المواقف ، ما دامت حركتي في الفكر صائبة . هنا لا
أتكلم عن الأوضاع ، الأخرى التي ضيقت علي السبيل . و إعلان البعض غفر الله
لهم عن مواقفهم الشاذة تجاه قضية كهذه لا تحتاج إلى أكثر من الحوار ! .
إن
هذه الفكرة التي انقدحت في ذهني باللطف الإلهي جعلتني أدفع أكبر ثمن في
حياتي . و كلفتني الفقر و الهجرة و الأذى . و ما زادني في ذلك إلا إيمانا و
إصرارا .
و تذكرت قولة شهيرة للإمام علي ( عليه السلام ) لما قال له
أحد شيعته : إني أحبك يا أمير المؤمنين فأجابه : إذا ، فأعد للفقر جلبابا !
.
إن هذه الطريق ، طريق وعرة . فيه تتجلى أقوى معاني التضحية . و فيه
يكون الاستقرار و الهناء بدعا . فأئمة هذه الطريق ما ارتاح لهم بال و لا قر
لهم جنان .
لقد يتموا ، و ذبحوا ، و حوربوا عبر الأجيال ! .
إن قصتي
مع الواقع الأمني و الاجتماعي لا موقع لها في هذا الكتاب . و لكن التركيز
هنا ، سيكون على المسألة الشيعية ، و ما دار حولها من مطارحات و سجالات .
لم تكن عندي يومها المراجع الكافية لاستقصاء المذهب الشيعي .
لكنني
أسندت ذلك القليل الذي أملكه من كتب الشيعة بدراساتي النقدية و المعقمة ،
لكتب ( أهل السنة و الجماعة ) قال لي أحد المقربين يوما :
من الذي شيعك ، و أي الكتب اعتمدتها ؟! .
قلت
له: أما بالنسبة ، لمن شيعني ، فإنه ، جدي الحسين ( عليه السلام ) و
مأساته الأليمة . أما عن الكتب ، فقد شيعني ، صحيح البخاري و الصحاح الأخرى
.
قال كيف ذلك ؟ .
قلت له : اقرأها ، و لا تدع تناقضا إلا أحصيته ، و
لا ( رطانة ) إلا وقفت عندها مليا . . إذ ذاك ستجد ، بغيتك ! كان لدي أخ
أصغر مني ، يسألني باستمرار عن التشيع . و كنت أقول له : أنت تعرف تقرأ ،
فعليك بالبحث الشخصي ، و إذا أوقفك شئ ، ساعدتك . فأنا أضجر من أن أورث
للآخرين أفكارا جاهزة . و لعله اليوم وصل ! .
و يعلم الله ، أنني رسخت
قناعاتي الشيعية . من خلال مستندات أهل السنة و الجماعة أنفسهم . و من خلال
ما رزحت به من متناقضات . و كان الكتاب أحيانا يتعرض بالشتم و السباب
للشيعة . و إذا بي ازداد بصيرة ببراءتهم . كما لا أخفي واقع روحي التي
تمزقت ، و هي تلهث خلف المخرج من هذه التناقضات . و يشهد الخالق و هو حسبي ،
أنني كنت أسهر الليالي و أنا أقرأ و أدعو الله أن يجد لي مخرجا ، و كان
دعائي الذي يلازمني ( اللهم أرني الحق حقا و ارزقني اتباعه ، و أرني الباطل
باطلا و ارزقني اجتنابه ) .
في يوم من الأيام لم يبق لي سوى أن أخلع
جبة أهل السنة و الجماعة . فلم يبق أمامي دليل واحد يسند مصداقية مذهبهم
غير أن العادة قبحها الله حالت دوني و بين التغير ، و ما أصعب المرء و هو
يتحول من مذهب لآخر ، و ما أشد برزخ الانتقال الاعتقادي ، لا بد لي إذا ،
من محفز روحي يشجعني على هذا الانتقال .
لا بد من شمة رحمانية ، تكشف لي الغطاء عن الاختيار الرشيد .
كانت ليلة غنية بطلب الرحمان ، و الإلحاح عليه ، لكشف هذه الغمة عني .
فلقد
أوصلني عقلي إلى هذه النقطة ، ولم يبق لي إلا التوسل بالخالق الجليل . في
تلك الليلة ، رأيت رؤية ، أودعت في قلبي طمأنينة رائعة . رأيت أني قصدت بيت
رسول الله صلى الله عليه و آله و كانت عائشة هي من فتح علي الباب ، و
سألتها عن الرسول صلى الله عليه و آله فأشارت إلى أنه هناك في الغرفة .
دخلت عليه صلى الله عليه و آله و هو ملقى على فراشه يتأمل السماء . اقتربت
منه و إذا به ينتبه إلي ، فأخذ مكانه جالسا .
و سلمت عليه ، و عيني من
الرهب دامعة . و كان الطعام الذي وضعه إلى صلى الله عليه و آله من جنس طعام
العرب ، لكنه خالٍ من اللحم . كنت منشغلا بطرح السؤال ، فأخشى أن تفوتني
هذه الفرصة . فسألته عن الشيعة [4] و مآسيهم و أن هذا حتما يؤلمه . فطأطأ
رأسه و قال لي : نعم يا بني ، نعم .
ثم دعاني إلى الطعام . . فأكلت و الدموع لما تجف من عيني .
إن الأمة التي قتلت الحسين ( عليه السلام ) و سبت أهله الطاهرين . لا
يمكنني الثقة بها مطلقا . و لا يمكنني أن أؤول هذه الأحداث لصالح الفكر
الفاسد . مثلما لا أستطيع تأويل الدم الطاهر بالماء الطبيعي . إن هذه
الدماء التي سالت ، ليست مياه نهرية . إنما هي دماء أشرف من أوصى بهم النبي
صلى الله عليه و آله في هذه الأمة ، أفقدتني الأمة الثقة في نفسها . و
مهما قالوا فإنهم لن يقنعوني بأن دم الحسين ( عليه السلام ) لم يرق بيد
مسلمين حكموا الأمة الإسلامية . و كان تعامل أئمة السنة و الجماعة معهم
تعاملا حسنا ! .
الأمة التي لم ترع أبناء الرسول صلى الله عليه و آله
بعده ، لا يمكن أن ترع سنة بعده . قل ما شئت . قل إن المسلمين في العهد
الأول ، اجتهدوا في قتل آل البيت ( عليهم السلام ) و قل إن هذه الأفكار
التي وردت في كتب الشيعة دخيلة ، و لا حقيقة لها في التاريخ الإسلامي . لكن
هل يستطيع واحد من المسلمين ، من المحيط إلى المحيط ، أن يدعي أن الحسين (
عليه السلام ) لم يمت شهيدا مظلوما بأمر من أمير المؤمنين ( يزيد بن
معاوية ) و بفتوى رسمية من ( شريح القاضي ) و سيوف الجيش الأموي الحاقد .
في
بيئة ترعرع فيها فكر العامة . و على إثر حدث فريد من نوعه في تاريخ
الإسلام . هو حدث تحويل الخلافة إلى ملك عضوض [5] ، حيث ينصب ( يزيد بن
معاوية ) غصبا على المسلمين و إن العام الذي اضطر الحسن ( عليه السلام ) أن
يتنازل عن الخلافة لمعاوية ، حقنا للدماء . سمي عام الجماعة .
كلا و ألف كلا . فلا أحد يستطيع ذلك . لأن التاريخ أبى إلا أن يبقى أمينا لقضايا المستضعفين و لو كره المفسدون ! .
كنت
وقتذاك أبحث عن شئ واحد ، هو أن أتأكد من حقيقة العلاقة و التلازم بين
الفكر الشيعي ، و الأئمة من آل البيت ( عليهم السلام ) و هل هم فعلا مصدر
هذه الأفكار ؟ أو أن الفكر جديد كل الجدة ، ولم يكونوا قد تداولوه في عصر
الأئمة ؟ .
إنني أدركت بعد ذلك أن الأئمة . كانوا أكبر من أن يتبعوا
غيرهم . و ما ثبت في التاريخ الإسلامي أن تعلم إمام من أئمة أهل البيت (
عليهم السلام ) على يد عامية . بل هم في الأغلب كانوا أساتذه لأئمة أهل
السنة و الجماعة ، الذين ما لبثوا أن مالوا و استكانوا لرغبة الأمراء و
الخلفاء ، و سكتوا عن أشياء ، و ضمموا أخرى .
و أخضعوا فكر الأمة لغريزة ( البلاط ) !
و السؤال: هل ما عليه الشيعة اليوم من عقيدة و عبادات كان جاريا في عصر الأئمة ؟ .
بينما
أنا أتصفح تفسير ( ابن كثير ) إذا بي أعثر على تفسير الآية الكريمة ﴿ ...
وَامْسَحُواْ بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ ... ﴾ [6] حيث أورد وجهات النظر
الفقهية المختلفة ، بين القائلين بالغسل و القائلين بالمسح استحضر خطابا
للحجاج بن يوسف الثقفي ، يقول فيه بالغسل . و كان هو الخطاب الحاسم في
تفسير ابن كثير للآية الكريمة .
و أورد قصة عن أصحاب زيد بن علي ( رضي
الله عنه ) قال ابن أبي حاتم حدثنا أبي حدثنا إسماعيل ابن موسى أخبرنا شريك
عن يحيى بن الحرث التيمي يعني الخابر قال نظرت في قتلى أصحاب زيد فوجدت
الكعب فوق ظهر القدم و هذه عقوبة عوقب بها الشيعة بعد قتلهم تنكيلا بهم في
مخالفتهم الحق و إصرارهم عليه [7] و هكذا قتلوا في المعركة و مسخت جثتهم ) ،
حيث انقلبت أكعابهم إلى ظهر الرجل .
الله أكبر ! و شهد شاهد من أهلها .
إن هذه الممارسة الفقهية و العبادية لم تأت من الأهواء اللاحقة . بل كانت
متداولة في عصر الأئمة ، و تحت سمع واحد من قيادات بني هاشم و المقربين إلى
الأئمة ، و هو زيد بن علي بن الحسين ( رضي الله عنه ) .
فإذا كان زيد
بن علي ( رضي الله عنه ) و أصحابه مسخوا في تفسير ابن كثير ، فيا تاريخ سجل
، أنني أول الممسوخين ! إن هذا ليس هو أول لغم في تراث أهل الجماعة يفجر
غضبي ، ففي مقدمة ابن خلدون ، حقيقة أخرى ، يجب الوقوف على وقاحتها . إذ
قال : ( وشذَّ أهل البيت في مذاهب ابتدعوها ، و فقه انفردوا به ) ! .
إن
هذا يعني أن المتهم الأول هم آل البيت ( عليهم السلام ) الذين قال فيهم
الرب سبحانه ﴿ ... إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ
أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا ﴾ [8] .
هذان المثالان
طمأناني ، على مدى تمازج ( الشيعة ) بآل البيت ( عليهم السلام ) . و كانا
أهل البيت ( عليهم السلام ) أيضا موضع اتهام مع أشياعهم .
خرجت إلى
الساحة بقوة ، بعد أن تشبعت بكل المقومات السجالية الكلامية . و بعد أن
وقفت على آخر تذرعات ( العامة ) و حصلت لي سجالات كثيرة ، و حوارات طوال .
مع مختلف طباقاتهم . و يعلم الله إنهم كانوا في كل الأحوال ضعيفي الحجة ،
سقيميها . هزيلي ، المنطق عليليه . لا يصمدون أمام أبسط مقولة عقلية في
الحوار . كيف يراد لي أن أسلك مذهبا يقوم على الصنمية التاريخية . إنني
أدركت منذ البداية إنني لست على ( الإسلام ) كما كانوا يدعون .
و إنما
على مذهب من الإسلام اسمه ( مذهب أهل السنة و الجماعة ) كيف يعقل أن تلغى
المذاهب الأخرى ، و يبقى مذهب واحد ، مستبد بعقول الناس . ولم تكن له قدرة
على الاستمرارية ، إلا لأنه بقي مذهبا رسميا ، لكل الدول التي تعاقبت
الخلافة في ما بعد ! [9]
[1] نسبة إلى ( الجمهور ) .
[2] كنت أتسأل لماذا أحارب هذا الظلم ، و في
فقه الجماعة ما يدعمه و قد قال سعيد حوى في إجاباته ( لا نمضي بعيدا عن
احتجاجات العصرة من لم يدخل في بيعة الإمام الظالم فالأمر في حقه واسع ) ، (
أي يجوز الخروج و عكسه أيضا ) لكن الأفضل له الدخول و الطاعة ؟!! .
[3]
و إن الواحد منهم يكفر كل حكومات مصر ، لما يذكر مقتل حسن البنا ، و سيد
قطب . و هم يعلمون أن الذين قتلوا الحسين ( عليه السلام ) و آل البيت (
عليهم السلام ) هم أشد كفرا و نفاقا ، لكنهم يتأدبون معهم ! .
[4] كانت
يومها الحرب العراقية ـ الإيرانية على أشدها ، و قد بدأ العالم جميعه يلتفت
إلى إيران على أساس إنها العدو الأول . و سألته يومئذ عن الإمام الخميني (
قدس سره ) و عندها أقرني ، مطأطأ رأسه .
[5] أي من خلافة مغتصبة إلى ملك عضوض أنكى و أمر .
[6] القران الكريم : سورة المائدة ( 5 ) ، الآية : 6 ، الصفحة : 108 .
[7]
سورة المائدة : آية 28 . ذكر الأحاديث الواردة في غسل الرجلين و إنه لا بد
منه ، ( تفسير القرآن العظيم الجزء الثاني لابن كثير ) دار بيروت لبنان .
[8] القران الكريم : سورة الأحزاب ( 33 ) ، الآية : 33 ، الصفحة : 422 .
[9] كتاب لقد شيعني الحسين للكاتب ادريس الحسيني : 59 ـ 67 .
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق