هذه الاضافة من الاخ محمد بدوي حجازي وشكرا له
مع بداية الالفية الثانية ؛ زار بغداد الشاعر العربي – السوداني- محمد مفتاح الفيتوري ؛ كنت ايامها (الامين العام للادباء والكتاب) ولذلك كان من البديهي ان التقيه بشكل يومي طوال ايام زيارته؛ وان كان موضع ترحاب اكيد من بقية الزملاء اعضاء المكتب التنفيذي ؛ سالناه عن سرّ غيبته الطويلة عن بغداد التي نعرف كم هو مولع بها ؛ لم يجب الشاعر الفيتوري مباشرة ؛ وانما طلب ان نهيّئ له سيارة تذهب به الى النجف الاشرف؛ ليزور..ونقيم له امسية هناك ؛ وعندها سنعرف السبب !!
في اليوم التالي كانت سيارة " الوفود " تقطع بنا الطريق من بغداد الى النجف ؛ وبعد اتمام زيارة الضريح ؛ وتناول الغداء في المحافظة المقدسة ؛ ذهبنا مساء الى حيث الامسية التي اتفقنا على اقامتها للفيتوري في قاعة المحافظة .
لم يتحدث الفيتوري طوال الطريق بين بغداد والنجف عن قصيدة في جيبه مكتوبة عن الامام ع ؛ وانما ارادها مفاجأة لنا ؛ وفعلا كانت مفاجأة وقد استقبلها الشارع الثقافي النجفي بالكثير من الترحاب .
في طريق العودة ؛ تحدّث الفيتوري عن سرّ غيبته الطويلة عن بغداد؛ وسرّ كتابته لهذه القصيدة فقال :
في آخر زيارة لي ذهبت الى النجف ؛ حتى اذا اتممت الطواف بالقبر الشريف ؛ جلست بين الزائرين اقرأ الفاتحة ؛ وكان الضريح يومها يعج بالعديد من الجنسيات التي ضعت بينها ؛ واذا برجل معمم بعمامة خضراء يقف امامي ويسألني : ألست الشاعر الفيتوري ؟
يقول الفيتوري ارتبكت من سؤاله وكيف ميّزني من بين الجموع ؛ فاجبت : مرتبكا نعم..نعم ؛ فقال : علي بن ابي طالب "يطلبك"..وانت مدين له بقصيدة !
يضيف الفيتوري؛ ذهلت لحظتها وحين تمالكت دهشتي لم أجد الرجل امامي وكأنه فصّ ملح وذاب ؛ فقررت لحظتها ان لا اجيء الى بغداد الا ومعي قصيدة عن الامام علي ؛ وهي التي سمعتها مني اليوم !!
وقفتُ
والشمس ملقاةُ على كتفي
وبَيرقُ الشعر في عينيَّ غير خفي
وعاصفٌ يكنسُ التاريخ،
فهو دُمىً مستوحشاتٌ
وغيلانٌ من الخزفِ
وساحراتٌ يغربلن الفراغَ
وقد تناسخ الموتُ
في الأشباح والنُّطَفِ
وكان موج الرجال الراقصينَ على حرائق العصر
ممتداً على الجُرُفِ
وكنتُ أركض في حلمي إليكَ..
وبي إليكَ.. ما بي من شوقٍ ومن شغفِ
لعلّ بعض ارتحالي فيكَ..
بعض دمي
في طينةِ الأخضرَين.. الماءِ والسَعَفِ
يسقي العظام التي جفّتْ
منابعُها الأولى..
وينفخُ روح الله في الجِيَفِ
-
وقفتُ يا سيدي
يا قوسَ دائرةٍ من النبوات..
منذ البدءِ لم تقفِ
أصغي
وأوغل في الأشياء..
منسكباً وسائلاً
في عناق الصخر والصدفِ
وقد أراك..
وأدري أنّ قدركَ في معارجِ السرِّ،
سرّ بالجلال حفي
وقد تباغتني رؤياك
معتكفاً
على بقايا سراجٍ فيّ معتكفِ
فأستبيح لنفسي
أن أقول لها
في خافتٍ من جريح الصوت مرتجفِ:
فيم اضرابكِ أو شكواكِ ؟
مطرقة همّاً،
وخائفة
يا نفس.. لا تخفي
هذا عراقُ أميرِ المؤمنينَ
وهذي الأرض أرضُ عليّ
ساكنِ النجفِ
هذا العراق،
وكم من غاصبٍ
كبرت أحلامه،
ثم لم يحصد سوى التلفِ
هذا عراق العراقيين..
عزّتهم في النفس،
لا في حقول النفط والتّرفِ
هذا عراق الألى خطّت أناملُهم
شريعة الله
في الأحجار والصُّحُفِ
تكالبت حولهم دنيا مسيّجة
بالنار
والدم والصلبان والصلفِ
-
وقلت والغيم عبر الغيم ينسجني
برقاً،
وينفضني في دمعيَ الذرفِ
وينفضني في دمعيَ الذرفِ
كم غائبٍ حاضرٌ
تحت القباب هنا
وكاشفٍ بثّ شكواه ومنكشفِ
وساجدٍ راعش الكفّين..
مجمرة في مُقلتيه،
وألوانٌ من السّدفِ
وغارقٍ في مقام الوجد
تحسبه
طيفاً لطيفِ زمان جِدُّ مختلِفِ
هناك تعليقان (2):
شكرا ً أستاذنا الكبير "الناصري" طبعا راوي هذه الأحداث هو الأمين العام للأدباء والكتاب العراقيين السابق - وكل ما فعلته هو أنني نقلت ما أثبته في منتدى الساحة بالفيس بوك - وهو على الرابطين المرفقين - الساحة هو الرابط الأول و الثاني لـ"هدى النجار" . فلقد رأيت أهمية مناسبة القصيدة وظروف نظمها وما صاحبه من أحداث لأهميتها البالغة في الكشف عن جوانب مهمة داخل النص الأدبي وإضاءة جوانب من حياة الشاعر الصوفي الشفيف محمد الفيتوري.
سلمت اناملك
وكأني انظر الى صندوق جواهر مبهورا بما احتواه من درر، الفضل بعد قائل الأبيات يعود لمن أزاح الستار عن الصندوق وأمتعنا بما جادت به قريحة الشاعر.
إرسال تعليق